روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | التهيئة والإعداد فريضة غائبة في المشروع الإسلامي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > التهيئة والإعداد فريضة غائبة في المشروع الإسلامي


  التهيئة والإعداد فريضة غائبة في المشروع الإسلامي
     عدد مرات المشاهدة: 1841        عدد مرات الإرسال: 0

= هيأ الرسول لدعوته في مكة وأعد لدولته في المدينة..

من فضل الله علي الناس أن يهيئ للرسالة قبل بعث النبي‏،‏ وقد كانت التهيئة المكانية والزمانية والإنسانية لمجتمع الجزيرة العربية من أبرز السمات التي غابت عن كثير من الحركات الإسلامية المعاصرة والتي إنتهجت العنف وتكفير المجتمع والقتل باسم الدين‏.‏

وقد اعد الرسول صلي الله عليه وسلم لدعوته بمكة من دعوة الأقربين والدعوة السرية إنطلاقا للدعوة الجهرية دون أن يجنح للحرب ومن ثم هجرة الحبشة الأولي والثانية، ثم تعرضه للقبائل لينشر دينه بعيدا عن الدولة المركزية مكة في الهجرة إلي المدينة.

واعد صلي الله عليه وسلم، لدولته في المدينة المنورة بدوائر خمس، الأولي تعني ببناء الفرد المسلم عقديا وروحيا، والدائرة الثانية تعني بعلاقة الفرد المسلم بأخيه المسلم المؤاخاة أما الدائرة الثالثة فتعني بعلاقة المسلم بغير المسلم في المجتمع الإسلامي، والتي تنحصر في دستور المدينة، مما يؤدي إلي الدائرة الرابعة وهي التعاون الذي عبر عنه رب العزة في قوله تعالي: {وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان} ثم أخيرا الدائرة الخامسة ألا وهي أساس إستخلاف الإنسان في الأرض، وهي العمران.

يقول الدكتور عبدالرحمن سالم أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية دار العلوم: قد يظن المرء أن سيطرة الروح الوثنية علي العرب الجاهليين قطعت الصلة بينهم وبين ملة إبراهيم عليه السلام ولكن الواقع أنه وجد بين هؤلاء العرب من لجأ إلي فطرته الصافية فإهتدي إلي عبادة الله الواحد ونبذ عبادة الأصنام، وأبرز مثال علي هؤلاء الحنفاء زيد بن عمرو بن نفيل بن عبدالعزي الذي كان لا يأكل إلا ما ذبح علي اسم الله وحده، وكان زيد يقول عن نفسه: يا معشر قريش.. والله ما أعلم علي ظهر الأرض أحدا علي دين إبراهيم غيري.

وكان أبرز من دان بالنصرانية ورقة بن نوفل الذي تنصر وإستحكم في النصرانية وقرأ الكتب، ومن هؤلاء أيضا ابن عمه عثمان بن الحويرث بن أسد الذي ذهب إلي ملك الروم    -الإمبراطور البيزنطي- يلتمس منه أن يساعده في أن يصبح سلطانا علي مكة، وذلك في مقابل أن يقوم ابن الحويرث بنشر المسيحية في مكة وغيرها من بلاد العرب، ولكن عثمان توفي بعد ذلك بقليل، ولا ننسي كذلك قس بن ساعدة الإيادي الذي يروي الطبري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: رحم الله قسا! إنه كان علي دين أبي إسماعيل بن إبراهيم.

وأضاف: إن الله عز وجل هيأ الناس لدينه وبعثة رسوله صلي الله عليه وسلم بأن استشرفوا الحق وتاقوا إليه من كثرة ما مجوا الظلم والجور، حتي إذا ما أتي مصداق ما كانوا يأملون التزموه، مثلما قال ورقة بن نوفل: ليتني كنت فيها جذعا..

بيد أن رب العزة رغم إعداده الناس لتقبل رسالة النبي صلي الله عليه وسلم لم يشأ أن ينصر رسالته أحد منهم، حتي تكتمل مكارم الأخلاق عند الرسول الخاتم صلوات الله وسلامه عليه.

¤ تهيئة الدعوة والدولة:

ويؤكد الدكتور يحيي أبو المعاطي العباسي، أستاذ التاريخ الإسلامي، أن فكرة التهيئة والإعداد من لوازم الدعوات الإسلامية الكبري، وهي ألزم في بعث الأنبياء والرسل، وهي في حياة الرسول صلي الله عليه وسلم من أظهر الأمور للمتعمق رغم أنها لم تدرس الدراسة الواجبة، ولم تفهم في فقه الدعوة الفهم الواجب، إذ لو فهمت لتغير سير وأفكار وسلوك الحركات الإسلامية المعاصرة جميعا.

والرسول صلي الله عليه وسلم هو خاتم المرسلين ودعوته دعوة عالمية، فالتهيئة تلبي هذين المفهومين الخاتمية والعالمية، ولهذا كان العالم قبل بعثة الرسول صلي الله عليه وسلم قد تهيأ لإستقبال آخر دعوات الرسل.

وكانت البيئة العربية أكبر تهيئة لإستقبال الرسول صلي الله عليه وسلم في أنها لم تعرف إحتلالا مذلا، كما أن بها من عوامل التوحد والتعارف والإنسجام ما جعلها كتلة واحدة، وظهر هذا التوحد في الأنساب العربية واللغة.

وكان علي الرسول صلي الله عليه وسلم أن يهيئ لدولته بعد أن هيأ لدعوته في مكة والطائف فكانت البيعة: بيعة العقبة الأولي والثانية، ثم الهجرة إلي المدينة، وفي المدينة هيأ الرسول صلي الله عليه وسلم لقيام الدولة، وهو النبي الذي كون دولة بجهده وعلي عينه ورآها قائمة منطلقة، وكانت الأسس التي هيأ الرسول صلي الله عليه وسلم للدولة هي بناء المسجد، والمؤاخاة بين المهاجرين، والأنصار، والترابط والتعاون بين المسلمين، ثم الصحيفة المعروفة بدستور المدينة، وهو دستور كامل تناول فيه الرسول صلي الله عليه وسلم العلاقات مع المشركين وأهل الكتاب وما فيها من قواعد عامة للمسلمين، ثم أخيرا من تهيئة الدولة وعموم الرسالة برسائل الرسول صلي الله عليه وسلم إلي الأمم والملوك في عصره.

وأضاف: إن فكرة التهيئة والإعداد هي من الأفكار التي لو فقهها أهل الدعوة والحركات الإسلامية لتغير كثير مما نحن فيه، فهذه الفكرة تلزم صاحبها الإخلاص والفقه والصبر والدعوة بالحسني ولم الشمل وغير ذلك من الصفات والأخلاق والمعارف التي غاب كثير منها وكانت نتائجها ما نحن فيه من تخبط وغبش.

تحقيق: رجب عبد العزيز‏.‏

المصدر: جريدة الأهرام اليومي.